قد يتصرف أحد المسلمين ـ وهو يبغي الخير لنفسه ـ تصرفاً لا يرضى عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، والرسول معلم مربٍ يأخذ بأيدي أصحابه إلى الطريق الصحيح والسبيل القويم ، فهل ينبهه مباشرة ؟ ..
قد يفعل ذلك بعيداً عن أعين الناس إن كان الأمر خاصاً ، أو دفعاً للإحراج ، فالنصيحة في السر أبلغ . وقد ينبه إلى الأمر بطريق غير مباشر :
1ـ إذا كان الأمر مُهِمّاً ينبغي أن يعلمه الجميع .
2ـ ويُستحسَنُ أن يُترَك مَنْ فعل الخطأ بعيداً عن عيون الآخرين ، فيظل الاحترام سائداً بين جميع المسلمين .
- فقد جاء ثلاثة من الصحابة إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته ، فلما أخبروا ، كأنهم تقالّوها(1) ، وقالوا : أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم وقد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر !.
قال أحدهم : أما أنا فأصلي الليل أبداً .
وقال الآخر : وأنا أصوم فلا أفطر .
وقال الآخر : وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً .
فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال : أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ .
أما والله إني لأخشاكم لله ، وأتقاكم له ، ولكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني(2) .
هنا نجده صلى الله عليه وسلم يجمعهم . . . وينبههم إلى وجوب اتباع سنته مباشرة . ولكنه يرى ما فعلوه أمراً مهماً يجب أن يبلغَ الناسَ ، فيعلموا أن الدين يسرٌ وليس بعسر ، فيذكر الحادثة دون أسماء أصحابها ، فيقول :
ما بال أقوام قالوا كذا وكذا ؟ . . ( ويذكر ما قالوه ) ، ثم يقول : ولكني أصلي وأنام ، وأصوم وأفطر ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني(3) .
فالنبي صلى الله عليه وسلم حفظ ماء وجوه أصحابه الثلاثة ، ونبه الآخرين إلى وجوب اتباع سنته صلى الله عليه وسلم .
- وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد اصحابه يجمع الزكاة من بعض القبائل ، فعاد الرجل بالزكاة فوضعها أمام النبي صلى الله عليه وسلم وترك أشياء معه ، وقال : إنها أهديت إليه . فأخذها الرسول صلى الله عليه وسلم منه ، وجمع أصحابه ونبههم إلى ضرورة البعد عن الرشا واستغلال المنصب للوصول إلى منافع ماكان يصل إليها لولا عمله هذا .
فعن أبي حميد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(( ما بال العامل نبعثه فيقول : هذا لك ، وهذا لي ؟ فهلا جلس في بيت أبيه وأمه ، فينظرَ أيهدى له أم لا ؟ والذي نفسي بيده لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته ، إن كان بعيراً له رغاء ، أو بقرة لها خوار ، أو شاة تيعر ، ، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة إبطيه ، ألا هل بلغت ؟ ثلاثاً (4) .
فأنت ترى استخدام تعبير ( ما بال العامل ) ، وفي الحديث السابق ( ما بال أقوام ) . . .
فليست العبرة بمعرفة الأشخاص ، إنما بمعرفة الحادثة ، والتنبه لها ، والحذر من الوقوع فيها .
ورحم الله الإمام الشافعي العالم الإمامَ والتربويّ الفذ ينبه إلى النصيحة بطريقة لبقة لا تجرح المشار إليه فيقول :
تغـَمـّدني النـّصـيحـة بانفـراد * وجنّبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس ضربٌ * من التوبيخ لا أرضى استماعه